الخميس، 25 أبريل 2013

هندسة الميكاترونيكس، التخصص المزعوم !

هل ندمت على اختيارك لتخصص الميكاترونيكس؟

سؤال طرحه أحد الزملاء علينا وبعضنا يعيش آخر أيامه في جامعتنا بعد خمس سنوات طوال، مرت بحلوها ومرها. تفنن الأصحاب في التأكيد على ثقتهم باختيارهم لهذا التخصص وسعادتهم به، أما أنا فقررت ساعتها أن أحتفظ برأيي لنفسي، وهو أمر تضطر لفعله في جامعة تفيض بمن قد يقطع علاقته بك بسبب اختلافكما في الرأي!

آنذاك، أجبت على هذا السؤال في نفسي والقلب يبكي بأدمع مكتومة على حال هذا التخصص الفقير...

بداية، ما هو تخصص الميكاترونيكس؟ وهل يوجد هذا التخصص أصلا في جامعتنا؟ نعم، إنه موجود، ولكنه للأسف ليس سوى حبرا على ورق، بل وأقل من ذلك بكثير.

ما زلت اذكر سنتي الثانية بالجامعة عندما كنت أفكر بالتخصص الذي يناسبني، وعلى عكس المئات من طلاب الكلية الذين كانوا يبحثون عن التخصص ذا المستقبل الوظيفي الأفضل، قررت عدم اعتبار هذه النقطة على الإطلاق، لثقتي بقدراتي ولمعرفتي بمتطلبات سوق العمل في هذا البلد.

ظللت أبحث في الخطط الدراسية لجميع التخصصات إلى أن قررت أن اختار تخصصي الحالي "الميكاترونيكس" لإعجابي بالمقررات التي يدرسونها في خطتهم الدراسية، مقررات علمت بعد فوات الأوان أنها ليست سوى حبر على ورق، وضعت في تلك الخطة لتستدرج من يمكن استدراجه من الطلبة المغفلين أمثالي، إلى هذا التخصص "المزعوم".

زملائي في التخصص، لعلكم تدركون ما أعنيه، فها نحن نوشك على التخرج والانتهاء من جميع المقررات الدراسية المفروضة علينا، وصرنا ندرك أن تخصصنا المزعوم ليس سوى بضعة مواد تعدها باليد الواحدة، أما الباقي فعليك أن تدرسه أو بالأحرى تشحته من هذا التخصص أو ذاك ليتم معادلته بما تم وضعه في خطتنا الدراسية المزعومة!

ولم ينتهي الأمر بهذه المهزلة فقط، فجاءت كليتنا بإدارتها الحكيمة واستحدثت نظاما يعطي الأولوية في عدد المقاعد من كل مادة لطلاب التخصص الذي يطرح تلك المادة، لنبقى نحن أبناء الميكاترونيكس نقاتل على فضالة المقاعد من هنا وهناك، ويصل الحال في بعض الأحيان إلى ترجي الدكتور فلان وعلان لتسجيلك في مادته التي لا زالت تحوي أكثر من عشرة مقاعد خالية تم حجزها لطلاب ذلك التخصص، أما أنت أيها الميكاترونيكي فلا شيء يحجز لك لأنك لا تنتمي لأي من تخصصات كلية الهندسة أصلا!

طوال دراستنا في هذا التخصص الوهمي ونحن نعاني ونصرخ بأعلى صوت مطالبين بأن يكون لدينا ربع ما لزملائنا في التخصصات الأخرى، عملنا بجد وأثبتنا بشهادة عدونا قبل صديقنا أننا الأفضل بمشاريعنا وأمسياتنا ومهارات طلابنا في مختلف المجالات، وها نحن نكمل عامنا الثالث على أطنان الوعود التي نحصل عليها دائما كالحصول على غرفة مشاريع لجماعتنا كما هو حال غيرنا من الجماعات الهندسية، أو بالحصول على مختبر لتخصصنا كما لدى بعض التخصصات الأخرى نصف درزينة من المختبرات بينما نحن "نتخشش" للمذاكرة أو العمل في مختبرات تخصص الهندسة الكهربائية مرة، والمدنية مرة أخرى، أو الميكانيكية إن تم طردنا من هذه وتلك بسبب انشغالها، وهلم جرا....

ولعل القشة التي قسمت ظهر البعير هو ذلك الوعد من أحد كبار المسؤولين بكليتنا الذي وعدنا بكل ثقة بالحصول على المكان المخصص لورشة النجارة التي ستنتقل لمكان آخر، وأعطانا وعدا بأن نستلم ذلك المكان بحلول يناير من هذا العام، وها نحن نقترب من نهاية إبريل، ولم نطأ شبرا من تلك القاعة، بل وعندما فاتحنا المسؤلين بالموضوع فوجئنا بردهم أن الغرفة ستكون مقسومة بيننا وبين جماعة الهندسة الميكانيكية!

باختصار شديد، لقد تعلمنا معنى الذل في هذا التخصص الذليل، لقد عانينا الأمرين في دراستنا وفي أعمال جماعتنا الطلابية، وأقولها كل مرة لمن يسألني ما هو أكثر شيء تعلمته في الجامعة، لأجيبه، تعلمت معنى الذل !

لقد كنت قبل فترة أنصح الطلاب الجدد في الكلية بهذا التخصص رغبة لهم وللتخصص بالخير، ولكني الآن صرت أخبر من يسألني عن هذا التخصص بحجم المعاناة التي سيلاقيها، بل وصرت أنصح البعض بالدخول لتخصص "محترم" بدل تخصصنا هذا، إلى أن يمن الله على هذا التخصص "المشرد" بقسم يرعاه ويعتبره ابنا له، أو أن يكبر هو بنفسه ليصبح تخصصا بحد ذاته. على كل حال يبقى هذا وذاك بعيد المنال خاصة في بلد يستغرق فيه انهاء معاملة ورقية أشهرا وربما سنوات !

نعود للسؤال من جديد، هل ندمت على اختيار هذا التخصص؟ الذي حاز على اهتمام كبير من كليتنا لدرجة أنهم يبتعثون العشرات من التخصصات الأخرى للتدريب في الخارج بينما يحصل تخصصنا على مقعد يتيم في أرذل بقاع الهند.
هل ندمت على دخولى لهذا التخصص؟ التخصص الذي لم يسمع عنه أصلا الكثير من المسؤلين عن التوظيف في كبار الشركات في هذا البلد، ولكليتنا العريقة الفضل الكبير في ذلك، ولا ننسى أن نوصل شكرنا لأصحاب الكروش والخناجر على اهتمامهم بتخصصنا، وإكمالهم لواجباتهم على أكمل وجه.

إجابتي على السؤال هي "لا"، لم أندم على اختياري لهذا التخصص، لأنني اخترته بمليء إرادتي، ولأنني درست به كثيرا مما طمحت لتعلمه يوما من الأيام، نعم خاب ظني كثيرا ولكن لم نخرج من هذا التخصص بخفي حنين، فقد حصلنا منه على مهارات لا بأس بها على الرغم من أن أغلبها جاء باجتهادنا الذاتي لا من مناهج التخصص. لم ولن أندم على دخول هذا التخصص، لأنني فيه التقيت بأناس ما كنت لألتقي بهم في أي تخصص آخر، أناس تعلمت منهم أضعاف ما تعلمته من كتبنا الدراسية ومنهجنا الدراسي العقيم، وأنا لم ولن أندم يوما على دخولي لهذا التخصص، فقط لأني التقيت بهذه الصحبة والتي أسأل الله أن يديمها ما بقينا في هذه الدنيا.

عثمان المنذري.