الخميس، 5 يناير 2012

سلسلة قصص واقعية من المجتمع العماني، الجزء الأول

سلسلة قصص واقعية من المجتمع العماني.

سلسلة من القصص الواقعية من مجتمعنا المعاصر، حرصت على أن أسردها كما وردت من أصحابها أو من يقربون لهم بشكل مباشر كوني تعبت من كثرة القصص المحرفة التي تصلنا بعد أن تم تحريفها مئات المرات وأصبحت أشبه بقصص الخيال.


القصة الأولى: عندما يكتشف اليتيم أنه ليس يتيما، وأن أمه لم تترمل 

ولد شاب عماني واعد في إحدى ضواحي ولاية عبري في زمن كانت فيه عمان ما تزال في بداية نهضتها الحديثة، كان العمانيون آنذاك قنوعين جدا رغم صعوبة ظروف العيش، وكانوا جيلا ذهبيا من أجيال عمان بذلوا الغالي والرخيص من أجل الوطن وفي سبيل طلب العلم والعمل به، ولم يتذمروا يوما بسبب ضعف أحوالهم الإقتصادية أو قلة الخدمات في الدولة أو لسبب آخر، ربما لأنهم  كانوا معزولين عن العالم كله و يعيشون في هناء ورخاء على الرغم من التخلف الكبير بينهم وبين (العالم الأول) الذي ربما لم يسمعوا يوما عنه.

 تميز هذا الشاب بعبقريته منذ صغره، وكان دائما متفوقا في دراسته، انهى دراسته ثم واصل الدراسة في الجامعة وتخرج ثم قرر أن يستقر ويتزوج. تزوج ورزقه الله بابن وابنة رائعين وكان يعيش معهما وزوجته أسعد حياة، إلى أن جاء قرار مواصلته لدراسته في الولايات المتحدة الأمريكية، القرار الذي لم يكن يعلم حينها أنه سيغير مسار حياته وحياة أسرته إلى الأبد وسيترك فيهم جميعا جرحا لا تشفيه السنين مهما تراكمت فوق بعضها.

سافر الشاب تاركا وراءه ابنا وابنة فخوران به، وزوجة محبة مخلصة تدعو له على الدوام، وبعد مرور فترة على وصوله إلى "أرض الحريات" انقطعت الأخبار عنه فجأة....وبدون أي سابق انذار. حاول أقاربه الاتصال به بكل الطرق لكن دون جدوى، تم التبليغ عن فقدانه واستمر البحث عنه لأشهر دون جدوى أيضا، بذل أهله وأقاربه وأصدقائه والحكومة العمانية الغالي والرخيص ليعرفوا إن كان يتنفس أم لا على الأقل، ولكن..دون جدى. لتمضي الأسابيع ثم الأشهر والشهور والسنوات على هذه الحال.


كانت الصدمة كبيرة جدا على زوجته وطفليه، فما أصابهم أشد من لو أن خبر وفاته قد وصلهم، فهم أصبحوا معلقين لسنوات بين هذا وذاك، زوجته كانت معلقة ما بين أرملة ومتزوجة، وأولاده كانوا شبه أيتام، مرت السنوات وحالهم من سيء إلى أسوأ، وزوجته عملت خياطة كي تعيل ابنيها بعد أن انقطع كل شي من والدهما، وبعد أربع سنوات على غيابه قام القاضي بتطليق زوجته منه بسبب غيابه الطويل واحتمال وفاته.

زوجته لم تتزوج أحدا بعده حتى بعد مضي أكثر من عشر سنوات على غيابه، لا أعرف لمذا ولكن ربما بسبب الجرح العميق الذي أصابها بعد غياب زوجها هكذا فجأة، أو ربما لسبب آخر.

كبر الطفلان والتحقا بأرقى المؤسسات التعليمية في هذا البلد، بعد أن ورثا العبقرية عن والدهما، مرت ثماني عشرة عاما مريرة عليهما وعلى والدتهما عاشا فيه يتيمان وعاشت فيها أمهما أرملة أو ربما مطلقة، لم تكن ثماني عشرة عاما كلها حزن ودموع طبعا، فمهما كانت الظروف فإن الله رحيم بعباده ويأبى إلا أن يرى السعادة تغمر عباده الصالحين وإن قست عليهم الأقدار. مرت ثمانية عشر عاما كاملة، وفجأة، ودون أي مقدمات، جاءهم الاتصال......أنا فلان......سأزوركم لمدة أسبوعين كي أراكم! اتصل بها زوجها ليخبرها بأنه حي يرزق وأنه سيعود عما قريب!

ولكن هل يعقل؟ من أنت؟ وكيف؟؟؟ ألم تمت؟؟؟ أين كنت؟؟؟ ماذا حدث؟؟؟  كل هذه الأسئلة وعشرات غيرها تزاحمت لتطرح عليه.

رفضت ابنته الوحيدة أن تراه عندما سمعت بما جرى، ولا أعتقد أنه يجب علينا أن نلومها على ذلك. ربما كانت لا تريد رؤيته لأنها كانت قد آمنت كل تلك السنين بأنه ميت وصار من الصعب عليها أن تراه، أو لأنها صارت تكرهه بعد أن علمت أنه كان حيا ولم يكلف نفسه حتى بالسؤال عنهم ولو مرة واحدة أو حتى إخبارهم بأنه حي. أو ربما لسبب آخر، المهم أن الأمر لم يكن سهلا أبدا عليها، ولكنها  اقتنعت بعد إصرار صديقاتها وأهلها.

وصل الأب الذي غاب قرابة عقدين من الزمن، أو بالأحرى الذي مات عقدين من الزمن إلى منزله، ولكن  لم يكن وحيدا، فقد كانت معه زوجته الأمريكية المسيحية، وابن وابنة شابان!

لا أملك الكلمات لأعبر عن لحظات لقائه بأسرته بعد كل تلك المدة ، ولكن أترك لكم الفرصة لتتخيلوا كيف كانت حرارة، ومرارة ذلك اللقاء، كيف كان شعور زوجته الأرملة عندما رأته بعد غيابه الطويل قادما مع زوجته المسيحية التي ارتدت الحجاب بناءا على طلبه ربما، وابنيه الأمريكيان، وكيف رأت ابنته وابنه والدهما الذي لا يملكان سوى صور قليلة له في ذاكرتهما من طفولتهما.

لا أعتقد أن هناك عذرا في العالم يغفر لهذا الأب ما قام به، حتى ولو أراد أن يبقى ويعيش في بلاد العم سام كان بإمكانه أن يكلف نفسه بإرسال رسالة واحدة إلى زوجته يخبرها فيها، أنا لن أعود، وأنت طالق، لكي يريحها على الأقل من جحيم التفكير طوال تلك السنوات. لكن الأب كان لديه عذر يبرئه من كل ما حصل ويلقي بكل اللوم إلى شخص آخر، فهو لم يكن قد مكث هناك بإرادته، ولم يكن ربما قد تزوج بأمريكية مسيحية بإرادته، ولم يكن قد اختفى عن الوجود بإرادته أيضا، فكل هذا كان مدروسا ومقصودا من قبل (شرطي العالم) حكومة الولايات المتحدة الأمريكية التي رأت عربيا عبقريا أكثر من المسموح به، فخافت أن يكون سببا لامتلاك إحدى الدول العربية أو الإسلامية سلاحا نوويا يهدد به لقيطتها إسرائيل، فقامت بكل بساطة بسرقته بطريقة أو بأخرى دون أن تترك لنفسها العناء لتقول لأهله أنه لن يعود أو أنه قد مات. وما أكثر قصص العلماء العراقيين والعرب الذين نسمع عنهم قصصا مماثلة، ذهبوا هناك لطلب العلم أو لسبب آخر لينتهي بهم المطاف إما بالتجنيس بطرق مشبوهة أو بالإغتيال بطرق خبيثة تجعل ما حصل كأنه جريمة قتل أو حادث.

هكذا، وبكل بساطة ووحشية، قامت تلك الحكومة القذرة بتحويل حياة أب وأم وطفليهما إلى جحيم استمر عقدين من الزمن، عقدين من ذرف الدموع وعصر اليدين، عقدين من التشرد والتفكير في حال الأحباء على الجانب الآخر من الكرة الأرضية، عقدين من التيتم والترمل والفقر، عقدين من الدعاء على المسؤول كائنا من كان. كل هذا فقط لكي تسكت خوفها من حصول أحد غير إسرائيل على سلاح نووي في المنطقة، وربما لو كان أقل ذكاءا بقليل لكان قد قتل أثناء وجوده في أمريكا وسينساه التاريخ بعد سنين من مقتله بسبب أو لآخر سواء أكان عراكا مع أحد المجرمين أو حادث سير، ولكن يبدو أنهم طمعوا في عقله وعبقريته فأبقوه معهم كي يستفيدوا منه وكأنه ابنهم الذي ربوه وتعبوا عليه.

أخبر الأب أسرته بأنه لن يتمكن من مغادرة وطنه الجديد أمريكا بعد الآن، وأنه سيكون عليهم أن يزوروه هناك لكي يروه، وبالفعل أصبح ابناه يسافران إليه بضعة أشهر كل عام لرؤيته، فيا سبحان مغير الأحوال الذي لا يتغير، كيف تغير حالهم من حال إلى حال خلال أسابيع قليلة، ومع أنه لا يوجد شيء في الوجود يمكن أن يعوض إنسانا عن عيش طفولته بجانب والديه إلا أن الله ترحم على هذه الأسرة المسكينة وأراد عن يعوضهم عن الحنان الذي فقدوه طوال تلك السنين.

تعيش هذه الأسرة الآن حياة سعيد بعد أن أنهى الولدان دراستهما قبل سنوات قليلة وأصبحت أوضاعهم النفسة والمادية ميسورة والحمد لله. وعلى الرغم من كثرة الأحزان في هذه القصة إلا أنها انتهت نهاية سعيدة بعض الشيء وكانت فيها مواساة كبيرة لكل من فيها.

 قصة مؤلمة توضح لنا عجائب أقدار الله سبحانه، وترينا وقاحة وفضاضة الوضع الذي وصلت إليه أمريكا والذي سيكون يوما من الأيام سببا لانهيارها كما انهارت من قبلها أمم كانت أشد منها بأسا فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا بعد أن طغوا في الأرض وانهارت دول بأكملها خلال أيام من دون أن  تغزوهم طير أبابيل أو تحل عليه معجزة ظاهرة للعيان أو حتى يقاتلهم جيش به مئات آلاف المقاتلين، وما حدث للإتحاد السوفييتي وغيره من الأمم التي اختفت بصمت خير دليل على ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق